مقدمة
احدثت الادارة الاستعمارية بالمغرب هياكل إدارية واقتصادية وتنظيمية بهدف استغلال خيراته الطبيعية والاقتصادية والبشربة،ترتب عن ذلك تحولات في البنية الاقتصادية والاجتماعية التقليدية بالمغرب.
أجهزة سلطات الحماية بالمغرب :
2 / - أحدثت سلطات الحماية تنظيمات متميزة لتحقيق أهدافها:
أقامت سلطات الحماية الفرنسية إدارتا الداخلية والامن للحفاظ على مراقبة البلاد وأمنها معتمدة في ذلك على أجهزة استعمارية واخرى مخزنية.
نهج[ ليوطي] سياسة عرفت ب[السياسة الأهلية] والتي انبنت على تطبيق مفهوم الحماية حسب تعريف ليوطي" هو نظام دولة تحتفظ بمؤسساتها الخاصة وبحكومتها وتدير شؤونها بنفسها بواسطة أجهزتها الخاصة تحت مراقبة دولة أوربية"، لذلك تجنب المس بالقيم الروحية والاخلاقية للاهالي،وحاول إشراكهم في تسيير شؤون البلاد وتسخيرهم لخدمة الادارة الاستعمارية وتجلى ذلك من خلال
اعتماد ليوطي على سلطات[ القواد الكبار] لتحقيق الاهداف الاستعمارية و إخضاع القبائل تحت غطاء مغربي :الﮔلاوي /المتوﮔي /الﮔندافي ...وفي المدن أنشأ مجالس بلدية [ فاس/الرباط/البيضاء/مكناس..] مكونة من الاجانب+المغاربة (يهود ومسلمين) -->ادارة أملاك البلدية: مداخيل+مصاريف+ الاشغال العمومية...
نوعت سلطات الحماية التنظيمات القضائية: بالاضافة الى القضاء الشرعي أصبح هناك قضاة فرنسيون يبثون في النزاعات بين الاجانب والمغاربة،ومن أهم القضايا التي كانوا يبثون فيها النزاعات حول الملكية العقارية الفلاحية.
كما حاولت الادارة الاستعمارية نهج سياسة التفرقة العنصرية:بإصدارها في 16 ماي1930 "الظهير البربري" الذي نص على تطبيق العرف في القضايا المدنية داخل القبائل الأمازيغية بدل تطبيق الشرع الاسلامي،وطبق عليها القانون الجنائي الفرنسي + إنشاء كنائس (الخميسات) + إنشاء مؤسسات تعليمية بربرية- فرنسية(أزرو)....
مظاهر الاستغلال الاستعماري للمغرب ونتائجه:
1 / - انتزعت سلطات الحماية الاراضي الفلاحية المغربية ووزعتها على المعمرين:
عملت سلطات الحماية الفرنسية – تحت ستار تنظيم الملكية العقارية بالمغرب –على اتخاذ مجموعة من الاجراءات القانونية بهدف تسهيل عملية استحواد المعمرين على الاراضي الفلاحية المغربية؛ وفي هذا الاطار أنشأت سنة 1913م [ مصلحة المحافظة على الأملاك العقارية] -->كان من نتائج صدور القانون المنظم لذلك تفويت نسبة كبيرة من أراضي الخواص والجماعات الى المعمرين .
واتخد الاستعمار الفلاحي شكلين أساسين:
•-[ استعمار رسمي] : وصلت مساحته سنة 1953م الى 288.754 هكتار؛اذ ثم توزيع أراضي الﮔيش والاحباس على المعمرين بأثمان منخفضة تماشيا مع سياسة ليوطي القائمة على تشجيع الاستعمار الزراعي كركيزة أساسية في نظام الحماية.
•-[ استعمار خاص ] : وثم فيه انتزاع اراضي الفلاحين المغاربة بوسائل متنوعة: الضغط/الاجبار على البيع /الاكراه / استغلال قانون المحافظة العقارية... وقد اهتمت به شركات متخصصة الى جانب المعمرين ،ووصلت مساحته سنة 1953م الى 728.000 هـ .
وهكذا ثم الاستحواد على أراضي تتميز بظروف طبيعية ملائمة وسهولة المواصلات: سهل الغرب /سوس/سايس/ الشاوية/ الحوز / تادلة.... [ المغرب النافع ].
وفي منطقة النفوذ الاسباني استولى المعمرون على أخصب الاراضي حول: مليلية / لوكس/تطوان....
وقد اهتم المعمرون في البداية بالزراعات التقليدية لكن بعد أزمة 1929م حاولوا ربط الفلاحة المغربية بحاجيات[ الميتروبول] -->الاهتمام ببعض الزراعات : الخضر/ الفواكه / الكروم...
من نتائج سياسة الاستيطان: شهد المغرب خلال عقد الاربعينات نقصا حادا في المواد الغذائية الاساسية كالقمح والسكر..-->لجوء السكان الى إلتقاط بعض النباتات البرية -->تطبيق فرنسا لنظام [ التموين بالبطاقات] (عام البون) + ظهور أوبئة.........وعلى المستوى الاجتماعي: تعزيز الملكية الفردية على حساب الملكية الجماعية (التي تعرضت للتفكيك) -->تفسخ الروابط القبلية + ادخال النقد في المعاملات + تزايدت أشكال التسلط على سكان البوادي من طرف الادارة الاستعمارية والقواد: السخرة /التويزة / العسة .... + ارهاق الفلاح بالضرائب المتعددة -->الهجرة نحو المدن -->تعزيز الحركة الوطنية بالمدن.
2 / - قامت الادارة الاستعمارية بتصدير المعادن الخامة ولم تنشئ سوى بعض الصناعات التحويلية:
•الميدان الحرفي: تعرضت الحرف التقليدية المغربية لبوادرالأزمة قبيل الحماية؛وازداد وضعها سوءا رغم محاولة الادارة الاستعمارية إنشاء[ مصلحة الفنون الاهلية] سنة 1915م،اذ عانت من توظيف رؤوس اموال اجنبية في انتاج مواد شبيهة بالمنتوجات التقليدية داخل معامل حديثة كانتاج الزرابي والنسيج والجلد...وتركزت هذه المؤسسات في كل من مراكش /مكناس /الرباط/ سلا...وقد انتعشت هذه الشركات خلال الحرب العالمية الثانية -->لم يتمكن الحرفيون من الصمود أمام هذه الشركات الحديثة -->افلاس عدد منهم -->تدهور أوضاعهم الاجتماعية -->تحول عدد منهم الى بروليتاريا في المؤسسات الاجنبية.
•الميدان المنجمي:تمكنت سلطات الحماية من إصدار القوانين التي تسمح باستغلال الثرواث المنجمية وتصديرها؛فتزايدت الكميات المستخرجة وخاصة الفوسفاط اذ بلغ حجم الانتاج 4مَ طن سنة 1953م -->حققت الشركات المحتكرة لاستغلال المناجم [ الشركة الشريفة للدراسات المنجمية / الشركة المغربية للمناجم والمنتوجات الكيماوية/....] أرباحا طائلة بينما كان عمال المناجم يتقاضون أجورا زهيدة.
•الميدان الصناعي: لم تهتم الشركات الاوربية الا بالصناعات التحويلية التي تهدف تحقيق الربح السريع،ولم تنشئ بعض الصناعات المعدنية الا خلال الحرب العالمية الثانية حينما انتقلت رؤوس الاموال من فرنسا نحو المغرب هربا من ظروف الحرب.أدى ظهور هذه الصناعات بالمدن كالدار البيضاء الى هجرة السكان من البوادي -->بروليتاريا وصل عددها سنة 1950م نحو 400.000 عامل، عانت من تعدد ساعات العمل + ضعف الاجور + غياب الخدمات الاجتماعية ... ورغم صدور النصوص القانونية والتنظيمية للشغل بعد الاضرابات العمالية لسنة 1936 م فإنها لم تكن كافية لتحسين مستوى معيشتهم إذ ظهرت أحياء الصفيح: كاريان سنترال و بن مسيك بالبيضاء /دوار الدوم والدباغ بالرباط.......
3 / - وجهت الادارة الاستعمارية القطاع الثالث لخدمة مصالحها :
اتجهت الادارة الاستعمارية نحو الهيمنة على ميدان المالي بالمغرب كوسيلة ذات اهمية كبرى : إنشاء البنك المخزني / الاعتماد على الرؤس الاموال العمومية لتمويل المشاريع بالمغرب وهي مكونة إما من القروض الاجنبية او من مداخيل الضرائب
فتزايد الاهتمام بتنظيم المداخيل الجبائية وفرضت الضرائب على السكان وأهمها ضريبة[ الترتيب] التي تؤدى على المزروعات السنوية والشجرية والمواشي،وازداد الضغظ الضرائبي على السكان سواء في البوادي او المدن وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها.
وفي اطار محاولاتها التحكم في التجارة الداخلية والخارجية عملت الادارة الاستعمارية على الاهتمام بتوفير التجهيزات الاساسية : الطرق البرية /السكك الحديدية /الموانئ/ المطارات /تجهيزات الاتصال/ الكهرباء/ السدود... ويلاحظ ان كل طرق المواصلات كانت تتجه من الداخل نحو الموانئ مما يكشف عن الاهداف الاستعمارية المخططة لتوجيه الانتاج المغربي نحو التصدير .
في ميدان التجارة الداخلية عانى التجار المحليون من ظهور المحلات التجارة الاجنبية الحديثة المنافسة + ازدياد تأثير التجارة الداخلية بالتقلبات الاقتصادية العالمية ( ازمة 1929 ).وفي ميادن التجارة الخارجية تميز الميزان التجاري بوضعية العجز.
خلال الحرب العالمية الثانية اغتنى بعض التجار المحليين لكن تطور الرأسمال الاجنبي بعد الحرب من جديد اصبح ينافس الرأسمال الوطني -->انضمام التجار للحركة الوطنية.
خاتمة:
شمل الاستغلال الاستعماري مختلف القطاعات الاقتصادية وانعكست اثاره على التحولات التي شهدها المجتمع المغربي التقليدي الذي حاول مواجهة الاستغلال الاقتصادي-->تطور الحركة الوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق