مقدمة : عرفت عدة دول أوربا الغربية الثورة الصناعية خلال القرن 18 أفرزت عنها تحولات أعمق في القرن 19 ،مما أدى إلى تطور النظام الرأسمالي وتحول في البنيات الاقتصادية (تزايد الإنتاج الاقتصادي والخدماتي) . فما مظاهر التحولات الاقتصادية والمالية التي عرفها العالم خلال القرن 19؟ وما هي العوامل المفسرة لها ؟
عرض: تتجلى التحولات الاقتصادية للنظام الرأسمالي في مظاهر عدة. يأتي على رأسها المجال الصناعي المتمظهر في الثروات الصناعية التي عرفتها أوربا أولها ثورة 1860-1890 وقد شملت مجموعة من المجالات تجلت في ظهور مصادر طاقية جديدة للكهرباء إلى جانب الفحم وظهور صناعات متنوعة استهلاكية وتجهيزية، كما عرفت فترة 1890-1930ثورة صناعية ثالثة تجلت في استعمال النفط كمحرك طاقي جديد وظهور صناعة السيارات والكيماويات، ويعزى التطور الصناعي الكبير الذي شهده القرن 19 إلى تعميم المحرك البخاري ، واختراع أنواع أخرى من المحركات ، وظهور المصانع الكبرى ،وازدهار بعض الصناعات في طليعتها : صناعة الفولاذ والصلب والصناعة الميكانيكية والكيماوية ، و تزايد المردود و الإنتاج أمام تطور الأساليب و التقنيات ،وارتفاع حصة الصادرات الصناعية... وقد ترتب عن هذه العوامل تزايد إنتاج الطاقة والمعادن كالفحم والبترول والغاز والطاقة المائية والحديد إضافة إلى تزاد الصادرات الصناعية وارتفاع المردود الصناعي وكذا تضاعف مساهمة الصناعة في الناتج الوطني الخام . يلي ذلك المجال الفلاحي فقد أخذت الفلاحة في الدول الرأسمالية تستخدم الآلات كآلة الدرس والحصاد والأسمدة الكيماوية ، وتعتمد على انتقاء الأنواع الجيدة من المزروعات وسلالات الماشية ،بالإضافة إلى إتباع نظام الدورة الزراعية أو التناوب الزراعي لتنويع المحاصيل والرفع من المردود والإنتاج واعتماد نظام إراحة الأرض حتى تستعيد الأخيرة مقوماتها العضوية وللحد من استنزاف التربة، علاوة على استغلال البحث العلمي واستصلاح الأراضي وفلاحة التخصص واندماج الفلاحة ضمن القطاعين الثاني والثالث وهذا ما يعرف بأكريبزنس وقد أدت هذه العوامل إلى تضاعف الإنتاج الفلاحي وارتفاع المردود علاوة على تزايد إنتاج الحبوب خاصة القمح وتزايد مداخل أرباح الفلاحة وتطور قطاع تربية الماشية . زيادة على ما سبق من المظاهر يأتي المجال التجاري، فقد على هذا المستوى تميزت التجارة الأوربية خلال القرن 19 بعيوبها الكثيرة فتوسع المبادلات التجارية العالمية المتواصل أسفر عن خلق سوق عالمية موحدة استفادت من قرار التبادل الحر الذي جاء كبديل للحماية الجمركية وقد ترتب عنه ارتفاع حدة التنافس التجاري بين الدور الرأسمالية بهدف الحصول على أسواق خارجية ،فهذا المجال عرف تطورات على المستوى الداخلي والخارجي، فقد عرفت التجارة الداخلية تحولات تمثلت في ظهور الأسواق العصرية من خلال ظاهرة الإشهار وتطور المواصلات وتعبيد الطرق، كما شهدت التجارة الخارجية حركية نشيطة من خلال تبني سياسة نظام التبادل الحر وفتح الأسواق إضافة إلى رفع الرسوم الجمركية على الواردة للتخلص من فائض الإنتاج.
هذا وتتحكم مجموعة من العوامل في التحولات الاقتصادية المعززة للرأسمالية.أولها العامل التقني والعلمي، فقد ساهمت مجموعة من الاختراعات التقنية والعلمية (كمحول بسمر لصهر الحديد والمحرك الانفجاري والمطرقة البخارية واختراع فرن مارتان وتوليد الكهرباء) في التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها أوربا خلال القرن 19 والتي ترتبت عنها نتائج إيجابية ساهمت في تخفيض تكاليف الإنتاج وتحقيق الأرباح. ثانيها العامل التنظيمي، فالنظام الاقتصادي الليبرالي يقوم على مجموعة من المبادئ أهمها تقدير حرية الملكية الفردية وممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية ورفض تدخل الدولة بالاعتماد على قانون العرض والطلب بهدف تحقيق الربح، علاوة على الانتقال الذي عرفه النظام الرأسمالي حيث تحول من المنافسة الحرة إلى نظام احتكاري كما يتخذ التركيز الرأسمالي عدة أشكال : تركيز أفقي-تركيز عمودي- شركات عملاقة. من جهة أخرى عرفت المواصلات البرية تطورا خاصة السكك الحديدية التي خلقت رواجا تجاريا كثيفا وأخرجت المناطق عن عزلتها كما شجعت على ظاهرة الهجرة القروية، وفي نفس الإطار سهلت المواصلات البحرية السفر عبر القارات وإقامة التجارة الخارجة. زيادة على ما سبق فعلى الرغم من التطور الذي عرفه النظام الرأسمالي خلال القرن 19 فإنه شهد أزمات اقتصادية دورية ارتبطت بفائض الإنتاج مما أدى إلى إفلاس مجموعة من الشركات وانتشار البطالة، وبالتالي حدوث أزمات اقتصادية واجتماعية دفعت الدول الرأسمالية إلى نهج سياسة الحمائية (رفع الرسوم الجمركية على الواردات لحماية السوق الوطنية وهي عكس نظام التبدل الحر) .
هذا وقد لعب الفاعلون الاقتصاديون الجدد دورا في تنشيط رأسمالية القرن 19، وعلى رأسهم الشركات المجهولة الاسم التي اختص البعض منها في الإبداع وتقديم العروض القصيرة أو المتوسطة كما روجت أسمها في البورصة (أسواق الأسهم) ووظفت أموالا أخرى في المؤسسات الصناعية والتجارية مما ساهم بشكل كبير في تنشيط الحركة الاقتصادية، أما بالنسبة للمقاولات الكبرى فقد راكمت البورجوازية أرباحا كبيرة وظفت في عالم المال والأعمال والسياسة مما أدى إلى تطوير الاقتصاد الرأسمالي، كما ساهمت الأبناك بشكل مباشر في الاقتصاد الرأسمالي من خلال استثمار جزء من رساميلها في النشاط في النشاط الصناعي فتحولت بذلك الرأسمالية من صناعية إلى مالية من خلال ظهور أشكال جديدة من الشركات المجهولة الاسم أو شركات الأسهم أو الهوليدينغ وبالتالي أصبحت الأبناك تتدخل في النظام الرأسمالي أي أن الرأسمال المالي أصبح يتحك في الرأسمال الصناعي .
خاتمة: عموما أدت تحولات النظام الرأسمالي بمختلفها إلى تدعيم مكان أوربا عالميا واحتدام التنافس الامبريالي بين دولها الأكثر قوة. فماذا عن مظاهر هذا التنافس ؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق